أهم الاتجاهات الاقتصادية في العالم العربي لعام 2024

شهد عام 2024 استمراراً في توجهات اقتصادية كبرى في العالم العربي، تميزت بالتناقض بين النمو القوي في الدول الغنية بالنفط، والصعوبات والتحديات الهيكلية في الدول المستوردة للنفط. الإطار العام للاقتصاد الإقليمي كان محكوماً بالرغبة في التنويع الاقتصادي والتحوط من التقلبات العالمية، مع مواجهة ضغوط جيوسياسية وتضخمية.

فيما يلي تحليل لأبرز الاتجاهات الاقتصادية التي سادت في المنطقة خلال عام 2024:


1. تسارع أجندة التنويع والتحول نحو الاستثمار الأخضر

ظلت برامج التنويع الاقتصادي (مثل رؤية السعودية 2030 وأجندة دبي D33) هي القوة الدافعة للنمو في دول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز المكثف على قطاعات ما بعد النفط:

  • الاستثمار في المشاريع الضخمة (Giga-Projects): استمرار ضخ رؤوس الأموال من الصناديق السيادية في مشاريع البنية التحتية العملاقة والسياحة والترفيه لتغيير الخريطة الاقتصادية وخلق مراكز جذب عالمية.
  • الطاقة المتجددة والهيدروجين: اتجاه متزايد نحو الاستثمار في الطاقة الخضراء، حيث خصصت الحكومات جزءًا كبيراً من استثماراتها العامة للمشاريع المستدامة (زادت بعض الدول مستهدفاتها لتصل إلى 75% من إجمالي الاستثمارات العامة بحلول عام 2030 في هذا المجال)، مما رسخ مكانة المنطقة كمركز محتمل للطاقة النظيفة.
  • جذب الاستثمار الأجنبي المباشر: العمل على إصلاحات تنظيمية لجذب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة، خاصة في القطاعات غير النفطية.

2. استمرار تحديات التضخم والديون في الدول المستوردة للنفط

عانت الاقتصادات المستوردة للنفط من استمرار الضغوط التضخمية، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة عالمياً وتشديد السياسات النقدية:

  • ارتفاع الديون والضغوط المالية: ظلت أزمة الدين العام تحدياً كبيراً، مما دفع بعض الحكومات إلى إجراء إصلاحات مالية قاسية، بما في ذلك رفع الدعم وتقليل الإنفاق لترشيد الموازنة.
  • قرارات صعبة بشأن سعر الصرف: اتخذت بعض الدول، مثل مصر، قرارات مؤثرة لتحرير سعر الصرف، بهدف القضاء على الأسواق الموازية واستعادة الثقة الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية، مدعومة بصفقات استثمارية كبرى.
  • تحسن متوقع في 2024: توقع صندوق النقد الدولي تحسنًا نسبيًا في نمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليصل إلى حوالي 2.7% في 2024 (صعوداً من 1.9% في 2023)، مع انحسار التحديات وتراجع محتمل للتضخم.

3. تعزيز التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي

أثبتت التكنولوجيا المالية (FinTech) دورها كأحد أهم محركات النمو غير النفطي في المنطقة:

  • النمو في الشمول المالي: استمرار نمو منصات الدفع الرقمي، والمحافظ الإلكترونية، وحلول “اشترِ الآن وادفع لاحقاً” (BNPL)، بهدف دمج الفئات غير المتعاملة مع البنوك في الاقتصاد الرقمي.
  • الاقتصاد الرقمي والخدمات الحكومية: تبني متزايد للذكاء الاصطناعي والرقمنة في الخدمات الحكومية والقطاع الخاص، خاصة في السعودية والإمارات، مما يساهم في رفع الكفاءة وخلق فرص عمل جديدة في القطاع التقني.
  • تطور أسواق رأس المال: شهدت أسواق المال الخليجية زخماً، مدعومة ببيئة استثمارية مستقرة وعوائد متوقعة، مع بقاء أسعار النفط عاملاً حاسماً في تحقيق الاستقرار المالي.

4. التأثير الجيوسياسي وتذبذب أسعار الطاقة

شكلت التوترات الجيوسياسية في المنطقة عاملاً محورياً، مما ألقى بظلاله على سلاسل التوريد، وحركة التجارة، وتدفقات رؤوس الأموال في بعض الأحيان.

  • سوق الطاقة: رغم التحديات، كان من المتوقع أن تشهد أسواق الطاقة نمواً إيجابياً، مع بقاء سياسات “أوبك+” (OPEC+) حاسمة في إدارة المعروض، وتأثر أسعار النفط بشكل مباشر بحدة التطورات الجيوسياسية.

بشكل عام، كان عام 2024 عام التباين الاقتصادي؛ حيث استمرت دول الخليج في بناء اقتصاد المستقبل بجرأة، بينما كان على دول أخرى أن تواجه تحديات التضخم والدين بخطوات إصلاحية جذرية.