ما وراء الكواليس: أسرار نجاح الرياضة العربية
شهدت الرياضة العربية، على مدار العقدين الماضيين، تحولاً جذرياً لم يعد مقتصراً على الإنجازات الفردية العابرة، بل تطور ليصبح ظاهرة مؤسسية تُحقق نجاحات منظمة على الصعيدين القاري والدولي. هذا النجاح لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة استراتيجيات طويلة الأجل، واستثمارات ضخمة، وتغيير في الفلسفة الإدارية والرياضية.
إن أسرار هذا النجاح تكمن في ثلاثة محاور رئيسية تعمل بتكامل تام:
1. الاستثمار المؤسسي طويل الأجل والاحترافية المالية
أهم سر وراء النهضة الرياضية هو تحويل الرياضة من نشاط هواة إلى قطاع اقتصادي واحترافي يُدار بعقلية المؤسسات:
- الخصخصة والتخصيص: بدأت العديد من الأندية الكبرى في المنطقة في التحول نحو نموذج الخصخصة أو الإدارة المؤسسية الاحترافية، مما فصل التمويل عن الاعتماد الكامل على الدعم الحكومي المباشر، وفتح الباب أمام الاستثمار الخاص.
- البنية التحتية العالمية: ضخ مليارات الدولارات في بناء منشآت رياضية عالمية (ملاعب، أكاديميات تدريب، مراكز طب رياضي) لم تعد مخصصة لاستضافة البطولات فحسب، بل لتكون مراكز دائمة لتدريب الأجيال الجديدة وفقًا لأعلى المعايير الدولية.
- صناديق دعم المواهب: إنشاء صناديق ومبادرات حكومية خاصة تركز على رعاية وتنمية المواهب الشابة في مراحل عمرية مبكرة، وتأمين تدريبهم على يد مدربين دوليين، مما يضمن تدفقاً مستمراً للاعبين المحترفين.
2. استراتيجية “استقطاب الخبرات العالمية” والتأثير الخارجي
لم تبدأ الرياضة العربية من الصفر، بل اختصرت الزمن من خلال استقطاب المعرفة والكفاءات الأجنبية:
- المدربون والكوادر الفنية: التعاقد مع مدربين ومديري فنيين على مستوى عالمي (في كرة القدم، ورياضات الدفاع عن النفس، وألعاب القوى) لنقل الخبرة وتطبيق المناهج التدريبية الحديثة التي تتبعها الدول المتقدمة رياضيًا.
- تطبيق حوكمة الأندية: تبني نماذج الحوكمة والإدارة الرياضية التي تتبعها الدوريات الأوروبية الكبرى، مما عزز الشفافية والمساءلة في إدارة عقود اللاعبين والاستثمارات.
- الاستفادة من قوانين التجنيس: الاستفادة من قوانين التجنيس الرياضي المتاحة لتعزيز المنافسة في الرياضات الفردية والجماعية التي تحتاج إلى رفع مستوى الخبرة في وقت قصير، خاصة في الألعاب الأولمبية.
3. ربط الرياضة بملف “القوة الناعمة” والدبلوماسية
أصبح النجاح الرياضي أداة سياسية واقتصادية لخدمة الأهداف الوطنية:
- استضافة الأحداث الكبرى: تحويل استضافة الأحداث العالمية (كأس العالم، فورمولا 1، الألعاب الآسيوية) إلى عنصر أساسي لتعزيز الصورة الذهنية للدول، وعرض تطورها، وجذب السياحة والاستثمار.
- الشغف الجماهيري كوقود: الاستفادة من الشغف الجماهيري الهائل بالرياضة (وخاصة كرة القدم) لزيادة الوعي بالبطولات المحلية، ورفع مستوى الحضور الجماهيري، مما يزيد من جاذبية الدوريات العربية للبث التلفزيوني والجهات الراعية الدولية.
- تسويق العلامات التجارية: النجاحات الرياضية تحول الفرق والأندية إلى علامات تجارية عالمية قادرة على توقيع عقود رعاية دولية، مما يضمن مصادر دخل مستدامة بعيداً عن الدعم الحكومي المباشر.
إن هذا التحول العميق يشير إلى أن النجاح الرياضي العربي ليس وميضاً عابراً، بل هو نتيجة تخطيط استراتيجي، واندماج بين المال والإدارة والسياسة، يهدف إلى إرساء مكانة دائمة على الساحة الرياضية العالمية.